في قلب قرية نائية، حيث ينام الليل مبكرًا وتغفو الشوارع تحت ضوء القمر الخافت، كانت هناك طاحونة قديمة تضج بالحياة منذ مئات السنين. رغم قِدَمها، إلا أن آلاتها كانت تدور بقوة، تُصدر أنغامًا رتيبة وسط السكون المخيم على القرية. كان "سالم" و"خالد" يعملان هناك لسنوات، معتادين على صوت دوران التروس وطحن الحبوب، دون أن يخطر ببالهما أن تلك الليلة ستكون مختلفة... ومخيفة.
صمت الطاحونة... وبداية اللغز
في تلك الليلة، كان البرد قارسًا، والريح تعزف ألحانها بين ألواح الطاحونة الخشبية، كأنها تهمس بأسرار من الماضي. وقف سالم يراقب تدفق الحبوب إلى الطاحونة الكبرى، بينما كان خالد ينقل الأكياس إلى الخارج. كل شيء كان يسير كالمعتاد... حتى حدث ما لم يكن في الحسبان.
توقف صوت الطاحونة فجأة، وكأن أحدًا قد ضغط على زر الإيقاف، لكن لم يكن هناك أحد! التفت سالم نحو التروس العملاقة، متوقعًا أن يرى عطلًا ميكانيكيًا، لكنه لم يجد شيئًا.
صرخ سالم في الظلام: "خالد! هل أوقفت الآلة؟"
ظهر خالد من الخلف، ممسكًا بكيس القمح الثقيل، وعيناه تعكسان الذهول: "لا، كنت في الخارج... هل تعطل المحرك؟"
اقتربا معًا، يتفحصان التروس والدواليب الضخمة. كل شيء كان في مكانه، لا عطل، لا كسر، ولا سبب واضح لهذا التوقف المفاجئ. حاول سالم تشغيل الطاحونة مجددًا، وبعد لحظات، عادت للدوران، لكن هذه المرة... لم يكن صوتها كما كان من قبل.
الهمسات القادمة من العدم
مع كل دورة، كانا يسمعان شيئًا غريبًا، صوتًا خافتًا ينساب بين التروس، كأنه همسات غير مفهومة تمتزج مع ضجيج الطحن. تبادلا نظرات قلقة، وكأنهما يخشيان الاعتراف بأنهما يسمعان الأمر نفسه. لكن الصمت بينهما كان أبلغ من أي كلام.
ثم، في لحظة مرعبة، شق صرخة حادة أجواء الطاحونة!
لم يكن الصوت صوت إنسان... كان شيئًا آخر، قريبًا جدًا منهما، لكنه غير مرئي. هرعا نحو مصدر الصوت، لكن الطاحونة بدت كما هي، صامتة وكأن شيئًا لم يكن. كل شيء كان طبيعيًا... باستثناء أمر واحد: أكياس القمح التي كانت مرتبة بعناية، باتت الآن مبعثرة كما لو أن أحدًا قد عبث بها.
تراجع خالد بخطوات بطيئة، همس بصوت متهدج: "هذا مستحيل... كنا هنا قبل لحظات فقط!"
وفجأة، هبت رياح قوية داخل الطاحونة! كان الأمر غير منطقي، فالأبواب والنوافذ مغلقة بإحكام، ومع ذلك، اجتاح البرد المكان وكأن الطاحونة تحولت إلى كهف جليدي. شعر الاثنان بأن الهواء أصبح أثقل، وكأن شيئًا غير مرئي يحيط بهما، يراقبهما...
ثم، كما بدأ كل شيء بغموض، توقفت الطاحونة مجددًا... من تلقاء نفسها.
"ارحلوا..."
لم يحتمل خالد أكثر، صاح بفزع: "أنا لا أبقى هنا لحظة أخرى!"
اندفع نحو الباب، وتبعه سالم دون تردد. لكن قبل أن يخرجا، سمعا تلك الهمسات مجددًا، أوضح هذه المرة، وأكثر إثارة:
"ارحلوا..."
تجمد الدم في عروقهما، ثم انطلقا راكضين إلى الشارع، يلهثان، يحدقان بالطاحونة التي بدت في تلك اللحظة كوحش أسود يراقبهما في صمت، ينتظر فريسة جديدة.
منذ تلك الليلة، لم يجرؤ سالم ولا خالد على العودة إلى الطاحونة بعد حلول الظلام. لم يجدا تفسيرًا لما حدث، ولم يحاول أحد في القرية معرفة الحقيقة. لكن الطاحونة استمرت في العمل كالمعتاد، وكأن شيئًا لم يحدث...
لكن سالم وخالد كانا يعلمان الحقيقة.
لم يكونا وحدهما تلك الليلة.
القصة من وحي الخيال تهدف الى اثارة وتشويق محبي الخيال والقصص المثيرة اذا كنت من محبي القصص المشوقة اترك لنا تعليق يشجعنا على نشر المزيد .
0 comments:
إرسال تعليق